فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

الكناية في قوله: {وَمَا جَعَلَهُ الله} عائدة على المصدر، كأنه قال: وما جعل الله المدد والإمداد إلا بشرى لكم بأنكم تنصرون فدل {يُمْدِدْكُمْ} على الإمداد فكنى عنه، كما قال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] معناه: وإن أكله لفسق فدل {تَأْكُلُواْ} على الأكل فكنى عنه وقال الزجاج {وَمَا جَعَلَهُ الله} أي ذكر المدد {إِلاَّ بشرى} والبشرى اسم من الإبشار ومضى الكلام في معنى التبشير في سورة البقرة في قوله: {وَبَشّرِ الذين ءَامَنُواْ} [البقرة: 25]. اهـ.
قوله تعالى: {وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ}.
سؤال: قوله: {وَلِتَطْمَئِنَّ} فعل وقوله: {إِلاَّ بشرى} اسم وعطف الفعل على الاسم مستنكر، فكان الواجب أن يقال إلا بشرى لكم واطمئنانًا، أو يقال إلا ليبشركم ولتطمئن قلوبكم به فلم ترك ذلك وعدل عنه إلى عطف الفعل على الاسم.
والجواب عنه من وجهين:
الأول: في ذكر الإمداد مطلوبان، وأحدهما أقوى في المطلوبية من الآخر، فأحدهما إدخال السرور في قلوبهم، وهو المراد بقوله: {إِلاَّ بشرى}.
والثاني: حصول الطمأنينة على أن إعانة الله ونصرته معهم فلا يجبنوا عن المحاربة، وهذا هو المقصود الأصلي ففرق بين هاتين العبارتين تنبيهًا على حصول التفاوت بين هذين الأمرين في المطلوبية فكونه بشرى مطلوب ولكن المطلوب الأقوى حصول الطمأنينة، فلهذا أدخل حرف التعليل على فعل الطمأنينة، فقال: {وَلِتَطْمَئِنَّ} ونظيره قوله: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] ولما كان المقصود الأصلي هو الركوب أدخل حرف التعليل عليها، فكذا هاهنا الثاني.
قال بعضهم في الجواب: الواو زائدة والتقدير وما جعله الله إلا بشرى لكم لتطمئن به قلوبكم. اهـ.

.قال ابن عادل:

قال أبو حيان: ويناقش في قوله: عطف الفعل على الاسم؛ إذْ ليس من عطف الفعل على الاسم وفي قوله: أدخل حرف التعليل، وليس ذلك كما ذكره. انتهى.
قال شهَابُ الدِّينِ: إن عنى الشيخ أنه لم يدخل حرف التعليل ألبتة، فهذا لا يمكن إنكاره ألبتة، وإن عنى أنه لم يدخله بالمعنى الذي قصده الإمام فسَهْل.
وقال الجُرْجَانِيُّ في نظمه: هذا على تأويل: وما جعله الله إلا ليبشركم ولتطمئن، ومن أجاز إقحام الواو- وهو مذهب الكوفيين- جعلها مقحمة في {وَلِتَطْمَئِنَّ} فيكون التقدير: وما جعله الله إلا بشرى لكم؛ لتطمئنَّ قلوبكم به. اهـ. بتصرف يسير.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله}:

.قال الفخر:

{وَمَا النصر إِلاَّ مِنْ عِندِ الله} والغرض منه أن يكون توكلهم على الله لا على الملائكة وهذا تنبيه على أن إيمان العبد لا يكمل إلا عند الإعراض عن الأسباب والإقبال بالكلية على مسبب الأسباب.
وقوله: {العزيز الحكيم} فالعزيز إشارة إلى كمال قدرته، والحكيم إشارة إلى كمال علمه، فلا يخفى عليه حاجات العباد ولا يعجز عن إجابة الدعوات، وكل من كان كذلك لم يتوقع النصر إلا من رحمته ولا الإعانة إلا من فضله وكرمه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {وما النصر إلا من عند الله} تذييل أي كلّ نصر هو من الله لا من الملائكة.
وإجراء وصفي العزيز الحكيم هنا لأنَّهما أولى بالذكر في هذا المقام، لأنّ العزيز ينصر من يريد نصره، والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يُعطاه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} حصر كينونة النصر في جهته، لا أنَّ ذلك يكون من تكثير المقاتلة، ولا من إمداد الملائكة.
وذكر الإمداد بالملائكة تقوية لرجاء النصر لهم، وتثبيتًا لقلوبهم.
وذكر وصف العزة وهو الوصف الدال على الغلبة، ووصف الحكمة وهو الوصف الدال على وضع الأشياء مواضعها من: نصرٍ وخذلان وغير ذلك. اهـ.

.قال ابن عادل:

قال في هذه الآية: {لَكُمْ} وتركها في سورة الأنفال؛ لأن تيك مختصر هذه، فكان الإطناب- هنا- أوْلَى؛ لأن القصة مكملة هنا، فناسب إيناسهم بالخطاب المواجه، وأخر- هنا- {به} وقدمه في سورة الأنفال؛ لأن الخطاب- هنا- موجود في {لَكُمْ} فأتبع الخطاب الخطاب، وهنا جاء بالصفتين تابعتين في قوله: {العزيز الحكيم} وجاء بهما في جملة مستأنفة في سورة الأنفال، في قوله: {إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10]؛ لأنه لما خاطبهم- هنا- حسن تعجيل بشارتهم بأنه عزيز حكيم، أي: لا يغالب، وأن أفعاله كلها متقنة حكمة وصواب، فالنصر من عنده فاستعينوا به، وتوكلوا عليه؛ لأن العز والحُكْم له. اهـ..

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بشرى} الكناية في {جَعَلَهُ} عائدة على المصدر، أي: ما جعل الإمداد إلا بشرى لكم بأنكم تُنصرون، وهذا الاستثناء فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه مفعول من أجله، وهو استثناء مفرغ؛ إذ التقدير: وما جعله لشيء من الأشياء إلا للبُشْرَى، وشروط نصبه موجودة، وهي اتحاد الفاعل، والزمان، وكونه مصدرًا سبق للعلة.
والثاني: أنه مفعول ثانٍ لِجَعَل على أنها تصييرية.
والثالث: أنه بدل من الهاء في {جَعَلَهُ} قاله الحوفيّ وجعل الهاء عائدةً على الوعد بالمدد.
والبشرى: مصدر على فُعْلَى كالرُّجْعَى.
وقيل: اسم من الإبشار، وتقدَّم الكلام في معنى البُشْرَى في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} [البقرة: 25].
قوله: {وَلِتَطْمَئِنَّ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه معطوف على {بُشْرَى} هذا إذا جعلناها مفعولًا من أجله، وإنما جُرَّ باللام؛ لاختلال شرط من شروط النصب- وهو عدم اتحاد الفاعل- فإن فاعل الجَعْل هو الله- تعالى- وفاعل الاطمئنان القلوب، فلذلك نصب المعطوف عليه لاستكمال الشروط، وجر المعطوف باللام لاختلال شرطه، وقد تقدم، والتقدير: وما جعله إلا للبشرى وللطمأنينة.
والثاني: أنها متعلقة بمحذوف، أي: ولتطمئن قلوبكم، فعلى ذلك، أو كان كيت وكيت.
وقال أبو حيان: وتطمئن منصوب بإضمار أن بعد لام كي، فهو من عطف الاسم على توهم موضع اسم آخر.
ثم نقل عن ابن عطية أنه قال: اللام في {وَلِتَطْمَئِنَّ} متعلقة بفعل مضمر يدل عليه {جَعَلَهُ} ومعنى الآية: وما كان هذا الإمداد إلا لتستبشروا به، ولتطمئن به قلوبكم.
قال أبو حيان: وكأنه رأى أنه لا يمكن- عنده- أن يُعطف {وَلِتَطْمَئِنَّ} على {بشرى}، على الموضع؛ لأن من شرط العطف على الموضع- عند أصحابنا- أن يكون ثَمَّ مُحْرِز للموضع، ولا محرز هنا؛ لأن عامل الجَرِّ مفقود، ومَنْ لم يشترط المحرز، فيجوز ذلك على مذهبه وسيكون من باب العطف على التوهُّم.
قال شهاب الدين: وقد جعل بعضهم الواو في {وَلِتَطْمَئِنَّ} زائدة، وهو لائق بمذهب الأخفش، وعلى هذا فتتعلق اللام بالبشرى، أي: أن البشرى عِلَّة للجَعْل، والطمأنينة علة للبُشْرَى، فهي علة العلة.
والضميران في قوله: {وَمَا جَعَلَهُ}، و{بِهِ} يعودان على الإمداد المفهومِ من الفعل المتقدم، وهو قوله: {يمددكم}.
وقيل: يعودان على النصر.
وقيل: على التسويم.
وقيل: على التنزيل.
وقيل: على المدد.
وقيل: على الوعد.أ هـ..

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} وفي سورة الأنفال: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم}. للسائل أن يسأل فيقول: مقصود الآيتين واحد في الموضعين من حيث المعنى وهما لقوم بأعيانهم وهم أهل بدر رضى الله عنهم فما وجه زيادة {لكم} في آية آل عمران ولم تزد في الأخرى؟ وتقديم القلوب على المجرور هنا وتأخيرها عنه في آية الأنفال؟ واستئناف تأكيد الأخبار بالصفتين العليتين في سورة الأنفال بـ {إن} ولم تردا جاريتين على اسم الله سبحانه كما في آل عمران؟ فهذه ثلاث سؤالات.
والجواب عن الأول والثانى والله أعلم: أن آية آل عمران لما تقدم فيها قوله تعالى: {ويأتوكم من فورهم} والإخبار عن عدوهم فاختلط ذكر الطائفتين وضمهما كلام واحد فجردت البشارة لمن هدى منهما وأنها لأولياء الله المؤمنين فجيئ بضمير خطابهم متصلا بلام الجر المقتضية الاستحقاق فقيل: {بشرى لكم} وبين أن قلوبهم هي المطمئنة بذلك فقيل: {ولتطمئن قلوبكم به}، فقدمت القلوب على المجرور اعتناء وبشارة ليمتاز أهلها ممن ليس لهم نصيب.
أما آية الأنفال فلم يتقدم فيها ذكر لغير المؤمنين فلم يحتج إلى الضمير الخطابى في {لكم} وأيضا فإن آية الأنفال قد تقدم قبلها قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} فأغنى عن عودته فيما بعده اكتفاء بما قد حصل مما تقدم من تخصيصهم بذلك.
والجواب عن السؤال الثالث: أن آية الأنفال تقدم فيها أوعاد جليلة كقوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} ثم قال: {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} ثم قال: {ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} فهذه أوعاد علية لم يتقدم إفصاح بمثلها في آية آل عمران فناسبها تأكيد الوصفين العظيمين من قدرته جل وتعالى على كل شيء وحكمته في أفعاله فقال: {إن الله عزيز حكيم}، ولما لم يقع في آية آل عمران إفصاح بما في آية الأنفال وردت الصفتان تابعتين دون تأكيد وجاء كل على ما يناسب ولم يكن عكس الوارد في تعقيب الآيتين ليناسب وذلك واضح والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري:

قوله جلّ ذكره: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ}.
أجرى الله سبحانه سُنَّتَه مع أوليائه أنه إذا ضعفت نِيَّاتُهم، أو تناقصت إرادتهم أو أشْرفت قلوبهم على بعض فترة- أراهم من الألطاف، وفنون الكرامات ما يُقَوِّي به أسباب عِرْفانهم، وتتأكد به حقائق يقينهم.
فعلى هذه السُّنَّة أنزل هذا الخطاب. ثم قطع قلوبهم وأسرارهم عن الأغيار بالكلية فقال: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ}. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
{وَمَا جَعَلَهُ الله} أي الإمداد المفهوم من الفعل المقدر المدلول عليه بقوة الكلام كأنه قيل: فأمدكم الله تعالى بما ذكر وما جعل الله تعالى ذلك الإمداد {إِلاَّ بشرى لَكُمْ} وقيل: الضمير للوعد بالإمداد، وقيل: للتسويم أو للتنزيل أو للنصر المفهوم من نصركم السابق ومتعلق البشارة غيره، وقيل: للإمداد المدلول عليه بأحد الفعلين، والكل ليس بشيء كما لا يخفى، والبشرى إما مفعول له، و(جعل) متعدية لواحد أو مفعول لها إن جعلت متعدية لاثنين، وعلى الأول: الاستثناء مفرغ من أعم العلل أي وما جعل إمدادكم بإنزال الملائكة لشيء من الأشياء إلا للبشارة لكم بأنكم تنصرون، وعلى الثاني: مفرغ من أعم المفاعيل أي وما جعله الله تعالى شيئًا من الأشياء إلا بشرى لكم. والجملة ابتداء كلام غير داخل في حيز القول بل مسوق من جنابه تعالى لبيان أن الأسباب الظاهرة بمعزل عن التأثير بدون إذنه سبحانه وتعالى، فإن حقيقة النصر مختص به عز اسمه ليثق به المؤمنون ولا يقنطوا منه عند فقدان أسبابه وأماراته وهي معطوفة على فعل مقدر كما أشرنا إليه، ووجه الخطاب نحو المؤمنين تشريفًا لهم وإيذانًا بأنهم هم المحتاجون لما ذكر، وأما رسوله صلى الله عليه وسلم فغني عنه بما منّ به عليه من التأييد الروحاني والعلم الرباني.
{وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ} أي ولتسكن قلوبكم بالإمداد فلا تخافوا كثرة عدد العدو وقلة عددكم وهذا إما معطوف على {بُشْرىً} باعتبار الموضع وهو كالمعطوف عليه علة غائية للجعل إلا أنه نصب الأول لاجتماع شرائطه ولم ينصب الثاني لفقدانها، وقيل: للإشارة أيضا إلى أصالته في العلية وأهميته في نفسه كما في قوله تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وإما متعلق بمحذوف معطوف على الكلام السابق أي ولتطمئن قلوبكم به، فعل ذلك وهو أولى من تقدير بشركم كما فعل أبو البقاء، والثاني متعين على الاحتمال الثاني في الأول.